عبر البدائل المتاحة و التصاميم المعمارية
بغداد - صباح زنكنة
تُمثل الطاقة الكهربائية الشريان الرئيسي لجميع الصُعد الحياتية لاسيما وان عماد استخدام الاجهزة والتقنيات الحديثة بنيت على اساس توفير الطاقة الازمة بغية دفع عجلة الحياة والركب العلمي السائر حاليا في
دول العالم بخطى متسارعة باستثناء العراق فهي تسير بخطى ثقيلة وبطيئة نتيجة الهبوط الحاد في توفير الحد الادنى للطاقة الكهربائية، ولاهمية الطاقة فقد انبرى العديد من الباحثين لايجاد المعالجات اللازمة المتاحة لتوفير الطاقة وسد النقص الحاصل، فضلا عن تصاميم معمارية يتجاوب مع مستوى الطاقة المتاحة واستغلال الطاقة الشمسية في هذا المجال وسبق لملحق علوم ان التقى بباحثين من داخل العراق وخارجه توصلوا بتجارب علمية وعملية الى طرق اخرى لتوفير الطاقة الكهربائية او في وضع خطط اخرى تتجاوب معها.
هذه المرة التقينا بـ( خالد وليد خليل) مدير مركز الوليد للأبحاث العلمية ليحدثنا عن ما توصل اليه من مشروع الطاقة الشمسية والذي اسماه بـ(الطاقة والبيئة).
* كيف تمخضت لديك فكرة مشروع الطاقة الشمسية لتغذية بغداد؟
- قبل كل شيء ينبغي التنويه الى ان عملية تجهيز الوحدات السكنية بالبنى التحتية والخدمات من أهم المشاكل المستعصية حيث أن بناء المنازل دون توفير الخدمات المناسبة يؤدي إلى مشاكل من المستحيل حلها وخير مثال على ذلك مدينة الصدر التي إنشأها عبد الكريم قاسم حيث أصبحت تعاني من مشاكل اجتماعية واقتصادية أمنية وخدمات لا يمكن حلها بسبب عدم وجود دراسات كافية وكذلك لا يوجد تصميم أساس لها حيث أن جميع المحاولات التي تمت من قبل أمانة بغداد والمراكز البحثية قد باءت بالفشل.
خلال تواجدي في أمانة بغداد كباحث اكتشفت بان الطريقة المثلى لحل جميع المشاكل المستقبلية فضلا عن الحروب المدمرة الثلاث الماضية وهي بإنشاء منزل لا يحتاج إلى خدمات ولا يحتاج إلى إسناد خارجي مكلف وهي مهمة جدا ولكن يجب أن لا تتجاوز كلفة المنازل التقليدية أو اكثر بقليل وان يكون اعتماده على الدولة بشكل رمزي ولا يتجاوز 20%.
* في اي عام تمخضت لديك فكرة المشروع فهل من اعطاء نبذة عنه؟
- في عام 1986 في معهد الاتصالات بدأ مشروع منزل الطاقة والبيئة وكان في البداية مشروع خفض استهلاك الطاقة الوطنية باستخدام الطاقة الشمسية حيث كان الهدف من المشروع آنذاك جعل إمكانية الاستفادة المجزية للطاقة الشمسية ممكنة وجعلها في متناول الجميع والشرط الأول أن تكون ارخص من جميع أنواع الطاقة والشرط الثاني أن تكون اصغر حجما وتم حل مشكلة الكلفة فتم خفضها إلى الربع وكذلك تم حل مشكلة الحجم فتم خفضها إلى الثلث وتم بالتنسيق مع مجلس البحث العلمي، مركز بحوث الطاقة الشمسية واقترح المجلس عام 1988 استخدام الفكرة في مراكز الاتصال النائية والتي تعاني من مشاكل نقل الطاقة وتم الاستمرار بالدراسات حتى عرضت عام 1989 على الوكيل الأقدم للتصنيع العسكري بعد إدخال تعديلات عليها وأمر بدراسة المشروع وتم في (مشروع 96)إعادة التصاميم حتى يتم خفض الكلفة وتصغير المشروع ومن ثمة إعادة تصميم كافة الأجهزة المنزلية لتكون رخيصة جدا وتستهلك نصف الطاقة التي تستهلكها الأجهزة التقليدية وفي عام 1990 اصبح المنزل جاهزاً للتنفيذ بعد أن استفدت من تكنولوجيا الدمار الشامل وبعد حرب الكويت أعدت تصميم المنزل مرة أخرى للاستفادة من التكنولوجيا التي ظهرت خلال الحصار وخاصة عدم استخدام الحديد في البناء واختراع أساليب جديدة ليتماشى مع متطلبات الحصار وعدم الحاجة إلى بنى تحتية وفي عام 1993 اصبح جاهزاً للتنفيذ ألا أن حسين كامل وزير التصنيع العسكري زمن التظام المقموع رفض المشروع بحجة أن العراق ليس بحاجة إلى بدائل الطاقة وفي عام 1996 تم إعادة تصميم المنزل ليتماشى مع التوجه الدولي بإنشاء منازل لا تلوث البيئة فتم تصميم أنظمة تقوم بمعالجة المياه في المنزل دون الحاجة إلى شبكة مجاري مع معالجات للنفايات وفي عام 1998 تم إعادة تصميم المنزل بعد ظهور كومبيوترات البانتيوم حيث إن المنزل يعتمد على حواسيب تشابهية في حين يتوفر في الأسواق الأجهزة الرقمية التي لا تستهلك طاقة عالية وهكذا اصبح المنزل يعمل بالحواسيب الرقمية ومنظومات سيطرة متطورة.
الطاقة الشمسية
* كيف تنظرون الى الاستغلال الحالي للطاقة الشمسية؟
- قبل كل شيء ينبغي التنويه الى ان العراق يعد من الدول الغنية بالطاقة الشمسية بسبب معدلات الإشعاع العالي وقلة الأيام الغائمة والممطرة ولكن مع الأسف لم يتم استغلال هذه الطاقة بصورة صحيحة ويعود السبب الى امور كثيرة، من بينها كمية التعرض للإشعاع الشمسي ليوم كامل من لحظة الشروق حتى الغروب على المولدات الشمسية حيث يلاحظ أنها تصل إلى 50% بسبب كون الخلايا لا تتعرض إلى الطاقة الشمسية من الشروق حتى الغروب بسبب كون الخلايا ثابتة ويجب أن تتحرك ليكون سقوط أشعة الشمس عامودياً على الخلايا لنهار كامل حيث تكون في الظل لبعض الوقت ويجب أن تكون مواجهة لأشعة الشمس للوصول إلى كفاءة 90%.
والسبب الآخر القدرة الادائية للملتقطات الشمسية حيث لا تتجاوز 13 % وعند الذروة إلى 7 % فقط للخلايا الفولتائية أما للسخانات الحرارية 80 % وعند الذروة تصل الى 50% فقط ويمكن زيادة كفاءة الملتقطات لتصل إلى 35 % للفولتائية (باستخدام مواد جديدة)و90%للحرارية (مضاعفة العزل). الشيء الاخر كفاءة النقل فيها هي 90 % للنوعين الحراري ويشمل الأنابيب الناقلة للسائل والفولتائي ويشمل العاكسة والأسلاك ويمكن إيصاله إلى 98 % في حالة استخدام أنابيب عازلة وتقليل الاعتماد على العاكسة باستخدام الطاقة المستمرة بكثرة وأخيرا كفاءة الخزن فهي80%للبطاريات (الفولتائي) و50% لخزانات الماء الحار (وتقل مع زيادة الزمن) لنهار كامل ويمكن تقليل هذه الخسائر إلى اقل حد بجعل اغلب أجهزة المنزل تعمل في النهار والإنارة والأجهزة الإلكترونية في الليل.
اختراع خلايا شمسية جديدة
* برأيك هل من جديد تجده ملبيا للغرض في هذا المجال لجعل الطاقة الشمسية ذات جدوى اقتصادي؟
- بغية جعل استخدام الطاقة الشمسية ذات جدوى اقتصادية وجعله مجزياً من الناحية العملية توصلنا إلى اختراع عدة خلايا شمسية ووفق الآتي:
ملتقطات شمسية (سخانات) لها القدرة على خزن الطاقة الشمسية وبنفس الحجم للملتقطات الحالية وتتميز بالكفاءة العالية وبالتالي لا تحتاج إلى منظومات الخزن (الحرارية) المكلفة وكذلك الملتقطات المزدوجة التي لها القدرة على توليد الطاقة الكهربائية والطاقة الحرارية معا وذات أحجام صغيرة نسبيا.
فضلا عن إلغاء منظومات الخزن التقليدية المكلفة والباهظة والتوجه إلى تصاميم لاستخدامات جديدة لا تتطلب الخزن حيث إن الخزن يضاعف كلفة المنظومة ثلاثة أضعاف ويتضمن برمجة الأجهزة المنزلية للعمل عند وصول الطاقة الشمسية للذروة.
ولا ننسى العمل على تصميم المنظومات الشمسية وجعلها جزءاً من وحدات البناء وبالتالي تكون جزءاً من كلفة بناء المنزل وليس الطاقة أي تصبح صفراً أو اقل من التقليدي بكثير.
منزل الطاقة
يواصل خليل القول: أن الطاقة الشمسية هي طاقة قليلة نسبيا لوحدة المساحة ولكون الإشعاع الشمسي ثابتاً ولذلك فقد تم دراسة وتصميم منزل الطاقة الذي يتطلب الحد الأدنى من الطاقة ليتسنى له أن يكون مشروعاً ناجحاً وان التحويرات والتصاميم تساهم بشكل جذري في حل مشكلة الطاقة في القطر ووفق الآتي:
حساب الشغل النهائي المطلوب وجعل استهلاك الطاقة بقدر الشغل تقريبا وكمثال أن الشغل المطلوب لغسالة الملابس ربع حصان لتدوير الغسالة تلحقها 10% خسائر ميكانيكية ثم 20% خسائر المحرك الكهربائي وبذلك تصبح قدرة الغسالة 0,325 حصاناً وإذا كان هنالك مولد تضاف خسائر التوليد والنقل أما إذا تم استخدام طاقة حركية فلن تتجاوز الخسائر 5% فقط ،فضلا عن وضع حاسوب يقوم بتشغيل الأجهزة المنزلية حسب الكفاءة القصوى للتشغيل وهكذا يتم خفض استهلاك الطاقة المستهلكة والمخزونة وفق الطاقة المتوفرة الرخيصة.
* كيف تنظر الى الخارطة السكانية والصحية لعموم بغداد ؟
- خلال فترة تواجدي في أمانة بغداد/ دائرة المجاري قمت باجراء دراسات ميدانية إحصائية للوصول إلى أسباب التلوث في مدينة بغداد مع العلم بان بغداد مدينة أفقية وان الكثافة السكانية منخفضة نسبيا للمتر المربع باستثناء حدود إمانة العاصمة عام 1945 من الوزيرية إلى السعدون ومن النهضة إلى العلاوي وخلال دراستي للتصاميم اكتشفت أخطاء مدمرة في تصاميم المجاري حيث أن جميع التصاميم تم استيرادها من الخارج جاهزة سعيا من الشركات الأجنبية ببيع قطع غيار إلى أمانة بغداد وبكلف خرافية يفوق ما ينفق على التعليم و الصحة، وقد تم اجراء التصاميم المناسبة التي تصمد لفترات طويلة وكذلك هنالك نقطة مهمة لم يدرسها أحد من قبل أو يأخذها على محمل الجد وهو قدرة التربة على تصفية وتنقية المياه عن طريق دورة بيولوجية، وهذه الدورة وضعت شروطها حيث أن زيادة الملوثات العضوية عن الحد المسموح تسمم التربة وتتوقف قدرتها على التصفية.
تلوث الهواء في مدينة بغداد
ويواصل القول: خلال عملي العسكري في مجال الصواريخ قمت بعدة دراسات وبحوث لإنتاج محركات الصواريخ الفائقة وتوصلت إلى النتائج التالية:
اولا: إن تلوث الهواء بكافة أنواعه (الكيميائي / الحراري) عبارة عن فقدان طاقة أي إذا كنا نريد زيادة كفاءة أي محرك كيميائي حراري يجب التقليل من الملوثات وخير مثال هو إن محركات السيارات التي تبعث بالملوثات الأقل تستهلك وقوداً اقل واصغر حجما وبالتالي فان تصميم محركات ذات كفاءة عالية جدا سيؤدي إلى خفض التلوث إلى أقصى حد
ثانيا: أن اكبر مصدر للتلوث في العراق هو تكييف الهواء وتسخين المياه لجميع مؤسسات الدولة والأفراد وبالتالي فان حل هذه المشكلة ستجعل العراق دولة مصدرة للطاقة بدل وجود عجز في توليد الطاقة
ثالثا: أن فقدان الطاقة في محطات الطاقة الكهربائية بسبب التلوث تحويل محطة الدورة إلى محطة لا تلوث الهواء سيزيد طاقة التوليد بنسبة30%دون أي توسعات بتكنولوجيا جديدة.
منزل المعاقين والعجزة
* من بين ابحاثك انك تدعو الى ايجاد منزل خاص للعجزة والمعوقين هل من توضيح؟
- تعتبر منازل المعوقين والعجزة وكبار السن من المنازل التي تتطلب تكنولوجيا متطورة وتوفير سبل الراحة والجو الصحي حيث يجب أن يكون التكييف جيداً صيفا وشتاء اكثر من المنازل التقليدية حيث هنالك شروط يجب توفرها وهي :
اولا: أن لا يتطلب مجهوداً عضلياً كنقل قطع الأثاث أو أموراً عضلية أخرى وان تصمم الغرف لتبقى صيفا وشتاء.
ثانيا: يجب أن لا يتطلب مجهوداً كبيراً في نقل الطاقة كقناني الغاز أو النفط الأبيض أو نقل المدفآت النفطية أو الغازية.
ثالثا: يجب أن يكون المنزل طابقاً واحداً لمحدودي الحركة وبمستوى واحد(في حالة وجود كرسي معوق)ليتسنى التنقل بحرية وكذلك موقع الغرف لا يتطلب مجهوداً كبيراً في التنقل
رابعا: يجب أن يراعى في المرافق الصحية أن تكون خالية من التعقيدات وان تكون سهلة في التشغيل خاصة الحنفيات.
خامسا: يجب أن لا يكون المنزل مكلفاً يتجاوز إمكانية المواطن العراقي ويفضل الذين يمتلكون قدرات فنية لإدامة المنزل.
التصاميم الأساسية
* الذي يتصفح ابحاثك في هذا الجانب يتلمس اعتمادك على الطراز المعماري البغدادي،ما سبب هذا الاختيار؟
- تم إجراء سلسلة من الدراسات المعمارية حول افضل السبل لتصميم منزل الطاقة والبيئة وللمعوقين والطاقة الشمسية في بناء وحدة سكنية واحدة وقد كانت المفاجأة إن التصميم يشبه المنازل البغدادية القديمة حيث توصل العراقيون إلى تصميم منازل كفئة مريحة ذات جو لطيف لا يتوفر في المباني الحديثة المكلفة والتي تتطلب كميات كبيرة جدا من الطاقة للتكييف مقارنة مع الطاقة التي تتطلبها المنازل القديمة وكذلك فان المنازل البغدادية واطئة الكلفة وسبب هجر البناء القديم هو عدم قيام النظام المباد بتطوير وتطويع مواد البناء الحديثة مع أساليب البناء القديمة إذ ان في البناء القديم لا يتم استخدام مواد بناء جديدة فقط الجص والطابوق دون استخدام مواد البناء الحديثة (الألمنيوم والمواد المصنعة والأسمنت الأبيض) وقد طورنا أساليب بناء جديدة أن العودة إلى التصاميم التراثية بعد تطوير مواد بناء خاصة بها سيساهم بشكل جذري بحل مشكلة الطاقة وخاصة في المحافظات والأرياف اضافة لملاءمتها للمجتمع.
أهم الأعمال الاستثمارية
و يضيف الباحث خالد وليد خليل: ان هنالك محاور استثمارية رئيسية تصلح كمشاريع مستقلة متكاملة ولا تشترط أن تكون جزءاً من المنزل وهي:
اولا:محور الطاقة الشمسية ويشمل وحدات التوليد بجميع أنواعها الواطئة الكلفة وهي تستخدم كوحدات بناء.
ثانيا: محور الصرف الصحي ويشمل إنشاء وحدة المعالجة الذاتية مع تصاميم جديدة للمرافق والمطبخ لا تلوث البيئة.
ثالثا: محور المطبخ ويشمل تصميم جميع أجهـزة المطبـخ ويجب أن تستهلك50%كحد أقصى من الحالية ورخيصة الثمن
رابعا:استهلاك الطاقة الواطئة للأجهزة المنزلية والذي يمكن تطبيقه على أي نوع من المنازل ولجميع أنواع الطاقة.
خامسا: محور الحاسوب والإلكترونيات وقد يدمج مع الأقسام الباقية وذلك بسبب ظهور كومبيوتر بانتيوم الذي لم يكن معروفاً قبل خمس عشرة سنة حيث أن الكومبيوتر سيستعيض عن الكثير من الأجهزة الضرورية المكلفة جدا.
سادسا: تطوير أساليب ومواد بناء لتصاميم للدور التراثية.
وقد وضعت هذا التصميم عام 1989 وهو يستند على الدور البغدادية القديمة كما اسلفت ويتكون من طابق واحد وبمساحة 140 متراً مربعاً ويعمل بالطاقة الشمسية وهو عبارة عن منزل بناء بالطابوق الجفقيم يتوسطه حوش(هول)مغطى بقبة زجاجية والغرف حوله غرفتان للنوم مع مرافق في الخلف مفصولة بقاطع وفي المقدمة المطبخ والمرافق والمدخل والاستقبال وفي الوسط غرفة دراسة والطعام، المنظومة الشمسية ستكون جزءاً من السقف وبعض النوافذ وبالتالي سيقلل الكلفة الكلية إلى النصف وستكون كلفة الطاقة الشمسـية لا تذكر مقارنة بكلف الطاقة التقليدية.
بغداد - صباح زنكنة
تُمثل الطاقة الكهربائية الشريان الرئيسي لجميع الصُعد الحياتية لاسيما وان عماد استخدام الاجهزة والتقنيات الحديثة بنيت على اساس توفير الطاقة الازمة بغية دفع عجلة الحياة والركب العلمي السائر حاليا في
دول العالم بخطى متسارعة باستثناء العراق فهي تسير بخطى ثقيلة وبطيئة نتيجة الهبوط الحاد في توفير الحد الادنى للطاقة الكهربائية، ولاهمية الطاقة فقد انبرى العديد من الباحثين لايجاد المعالجات اللازمة المتاحة لتوفير الطاقة وسد النقص الحاصل، فضلا عن تصاميم معمارية يتجاوب مع مستوى الطاقة المتاحة واستغلال الطاقة الشمسية في هذا المجال وسبق لملحق علوم ان التقى بباحثين من داخل العراق وخارجه توصلوا بتجارب علمية وعملية الى طرق اخرى لتوفير الطاقة الكهربائية او في وضع خطط اخرى تتجاوب معها.
هذه المرة التقينا بـ( خالد وليد خليل) مدير مركز الوليد للأبحاث العلمية ليحدثنا عن ما توصل اليه من مشروع الطاقة الشمسية والذي اسماه بـ(الطاقة والبيئة).
* كيف تمخضت لديك فكرة مشروع الطاقة الشمسية لتغذية بغداد؟
- قبل كل شيء ينبغي التنويه الى ان عملية تجهيز الوحدات السكنية بالبنى التحتية والخدمات من أهم المشاكل المستعصية حيث أن بناء المنازل دون توفير الخدمات المناسبة يؤدي إلى مشاكل من المستحيل حلها وخير مثال على ذلك مدينة الصدر التي إنشأها عبد الكريم قاسم حيث أصبحت تعاني من مشاكل اجتماعية واقتصادية أمنية وخدمات لا يمكن حلها بسبب عدم وجود دراسات كافية وكذلك لا يوجد تصميم أساس لها حيث أن جميع المحاولات التي تمت من قبل أمانة بغداد والمراكز البحثية قد باءت بالفشل.
خلال تواجدي في أمانة بغداد كباحث اكتشفت بان الطريقة المثلى لحل جميع المشاكل المستقبلية فضلا عن الحروب المدمرة الثلاث الماضية وهي بإنشاء منزل لا يحتاج إلى خدمات ولا يحتاج إلى إسناد خارجي مكلف وهي مهمة جدا ولكن يجب أن لا تتجاوز كلفة المنازل التقليدية أو اكثر بقليل وان يكون اعتماده على الدولة بشكل رمزي ولا يتجاوز 20%.
* في اي عام تمخضت لديك فكرة المشروع فهل من اعطاء نبذة عنه؟
- في عام 1986 في معهد الاتصالات بدأ مشروع منزل الطاقة والبيئة وكان في البداية مشروع خفض استهلاك الطاقة الوطنية باستخدام الطاقة الشمسية حيث كان الهدف من المشروع آنذاك جعل إمكانية الاستفادة المجزية للطاقة الشمسية ممكنة وجعلها في متناول الجميع والشرط الأول أن تكون ارخص من جميع أنواع الطاقة والشرط الثاني أن تكون اصغر حجما وتم حل مشكلة الكلفة فتم خفضها إلى الربع وكذلك تم حل مشكلة الحجم فتم خفضها إلى الثلث وتم بالتنسيق مع مجلس البحث العلمي، مركز بحوث الطاقة الشمسية واقترح المجلس عام 1988 استخدام الفكرة في مراكز الاتصال النائية والتي تعاني من مشاكل نقل الطاقة وتم الاستمرار بالدراسات حتى عرضت عام 1989 على الوكيل الأقدم للتصنيع العسكري بعد إدخال تعديلات عليها وأمر بدراسة المشروع وتم في (مشروع 96)إعادة التصاميم حتى يتم خفض الكلفة وتصغير المشروع ومن ثمة إعادة تصميم كافة الأجهزة المنزلية لتكون رخيصة جدا وتستهلك نصف الطاقة التي تستهلكها الأجهزة التقليدية وفي عام 1990 اصبح المنزل جاهزاً للتنفيذ بعد أن استفدت من تكنولوجيا الدمار الشامل وبعد حرب الكويت أعدت تصميم المنزل مرة أخرى للاستفادة من التكنولوجيا التي ظهرت خلال الحصار وخاصة عدم استخدام الحديد في البناء واختراع أساليب جديدة ليتماشى مع متطلبات الحصار وعدم الحاجة إلى بنى تحتية وفي عام 1993 اصبح جاهزاً للتنفيذ ألا أن حسين كامل وزير التصنيع العسكري زمن التظام المقموع رفض المشروع بحجة أن العراق ليس بحاجة إلى بدائل الطاقة وفي عام 1996 تم إعادة تصميم المنزل ليتماشى مع التوجه الدولي بإنشاء منازل لا تلوث البيئة فتم تصميم أنظمة تقوم بمعالجة المياه في المنزل دون الحاجة إلى شبكة مجاري مع معالجات للنفايات وفي عام 1998 تم إعادة تصميم المنزل بعد ظهور كومبيوترات البانتيوم حيث إن المنزل يعتمد على حواسيب تشابهية في حين يتوفر في الأسواق الأجهزة الرقمية التي لا تستهلك طاقة عالية وهكذا اصبح المنزل يعمل بالحواسيب الرقمية ومنظومات سيطرة متطورة.
الطاقة الشمسية
* كيف تنظرون الى الاستغلال الحالي للطاقة الشمسية؟
- قبل كل شيء ينبغي التنويه الى ان العراق يعد من الدول الغنية بالطاقة الشمسية بسبب معدلات الإشعاع العالي وقلة الأيام الغائمة والممطرة ولكن مع الأسف لم يتم استغلال هذه الطاقة بصورة صحيحة ويعود السبب الى امور كثيرة، من بينها كمية التعرض للإشعاع الشمسي ليوم كامل من لحظة الشروق حتى الغروب على المولدات الشمسية حيث يلاحظ أنها تصل إلى 50% بسبب كون الخلايا لا تتعرض إلى الطاقة الشمسية من الشروق حتى الغروب بسبب كون الخلايا ثابتة ويجب أن تتحرك ليكون سقوط أشعة الشمس عامودياً على الخلايا لنهار كامل حيث تكون في الظل لبعض الوقت ويجب أن تكون مواجهة لأشعة الشمس للوصول إلى كفاءة 90%.
والسبب الآخر القدرة الادائية للملتقطات الشمسية حيث لا تتجاوز 13 % وعند الذروة إلى 7 % فقط للخلايا الفولتائية أما للسخانات الحرارية 80 % وعند الذروة تصل الى 50% فقط ويمكن زيادة كفاءة الملتقطات لتصل إلى 35 % للفولتائية (باستخدام مواد جديدة)و90%للحرارية (مضاعفة العزل). الشيء الاخر كفاءة النقل فيها هي 90 % للنوعين الحراري ويشمل الأنابيب الناقلة للسائل والفولتائي ويشمل العاكسة والأسلاك ويمكن إيصاله إلى 98 % في حالة استخدام أنابيب عازلة وتقليل الاعتماد على العاكسة باستخدام الطاقة المستمرة بكثرة وأخيرا كفاءة الخزن فهي80%للبطاريات (الفولتائي) و50% لخزانات الماء الحار (وتقل مع زيادة الزمن) لنهار كامل ويمكن تقليل هذه الخسائر إلى اقل حد بجعل اغلب أجهزة المنزل تعمل في النهار والإنارة والأجهزة الإلكترونية في الليل.
اختراع خلايا شمسية جديدة
* برأيك هل من جديد تجده ملبيا للغرض في هذا المجال لجعل الطاقة الشمسية ذات جدوى اقتصادي؟
- بغية جعل استخدام الطاقة الشمسية ذات جدوى اقتصادية وجعله مجزياً من الناحية العملية توصلنا إلى اختراع عدة خلايا شمسية ووفق الآتي:
ملتقطات شمسية (سخانات) لها القدرة على خزن الطاقة الشمسية وبنفس الحجم للملتقطات الحالية وتتميز بالكفاءة العالية وبالتالي لا تحتاج إلى منظومات الخزن (الحرارية) المكلفة وكذلك الملتقطات المزدوجة التي لها القدرة على توليد الطاقة الكهربائية والطاقة الحرارية معا وذات أحجام صغيرة نسبيا.
فضلا عن إلغاء منظومات الخزن التقليدية المكلفة والباهظة والتوجه إلى تصاميم لاستخدامات جديدة لا تتطلب الخزن حيث إن الخزن يضاعف كلفة المنظومة ثلاثة أضعاف ويتضمن برمجة الأجهزة المنزلية للعمل عند وصول الطاقة الشمسية للذروة.
ولا ننسى العمل على تصميم المنظومات الشمسية وجعلها جزءاً من وحدات البناء وبالتالي تكون جزءاً من كلفة بناء المنزل وليس الطاقة أي تصبح صفراً أو اقل من التقليدي بكثير.
منزل الطاقة
يواصل خليل القول: أن الطاقة الشمسية هي طاقة قليلة نسبيا لوحدة المساحة ولكون الإشعاع الشمسي ثابتاً ولذلك فقد تم دراسة وتصميم منزل الطاقة الذي يتطلب الحد الأدنى من الطاقة ليتسنى له أن يكون مشروعاً ناجحاً وان التحويرات والتصاميم تساهم بشكل جذري في حل مشكلة الطاقة في القطر ووفق الآتي:
حساب الشغل النهائي المطلوب وجعل استهلاك الطاقة بقدر الشغل تقريبا وكمثال أن الشغل المطلوب لغسالة الملابس ربع حصان لتدوير الغسالة تلحقها 10% خسائر ميكانيكية ثم 20% خسائر المحرك الكهربائي وبذلك تصبح قدرة الغسالة 0,325 حصاناً وإذا كان هنالك مولد تضاف خسائر التوليد والنقل أما إذا تم استخدام طاقة حركية فلن تتجاوز الخسائر 5% فقط ،فضلا عن وضع حاسوب يقوم بتشغيل الأجهزة المنزلية حسب الكفاءة القصوى للتشغيل وهكذا يتم خفض استهلاك الطاقة المستهلكة والمخزونة وفق الطاقة المتوفرة الرخيصة.
* كيف تنظر الى الخارطة السكانية والصحية لعموم بغداد ؟
- خلال فترة تواجدي في أمانة بغداد/ دائرة المجاري قمت باجراء دراسات ميدانية إحصائية للوصول إلى أسباب التلوث في مدينة بغداد مع العلم بان بغداد مدينة أفقية وان الكثافة السكانية منخفضة نسبيا للمتر المربع باستثناء حدود إمانة العاصمة عام 1945 من الوزيرية إلى السعدون ومن النهضة إلى العلاوي وخلال دراستي للتصاميم اكتشفت أخطاء مدمرة في تصاميم المجاري حيث أن جميع التصاميم تم استيرادها من الخارج جاهزة سعيا من الشركات الأجنبية ببيع قطع غيار إلى أمانة بغداد وبكلف خرافية يفوق ما ينفق على التعليم و الصحة، وقد تم اجراء التصاميم المناسبة التي تصمد لفترات طويلة وكذلك هنالك نقطة مهمة لم يدرسها أحد من قبل أو يأخذها على محمل الجد وهو قدرة التربة على تصفية وتنقية المياه عن طريق دورة بيولوجية، وهذه الدورة وضعت شروطها حيث أن زيادة الملوثات العضوية عن الحد المسموح تسمم التربة وتتوقف قدرتها على التصفية.
تلوث الهواء في مدينة بغداد
ويواصل القول: خلال عملي العسكري في مجال الصواريخ قمت بعدة دراسات وبحوث لإنتاج محركات الصواريخ الفائقة وتوصلت إلى النتائج التالية:
اولا: إن تلوث الهواء بكافة أنواعه (الكيميائي / الحراري) عبارة عن فقدان طاقة أي إذا كنا نريد زيادة كفاءة أي محرك كيميائي حراري يجب التقليل من الملوثات وخير مثال هو إن محركات السيارات التي تبعث بالملوثات الأقل تستهلك وقوداً اقل واصغر حجما وبالتالي فان تصميم محركات ذات كفاءة عالية جدا سيؤدي إلى خفض التلوث إلى أقصى حد
ثانيا: أن اكبر مصدر للتلوث في العراق هو تكييف الهواء وتسخين المياه لجميع مؤسسات الدولة والأفراد وبالتالي فان حل هذه المشكلة ستجعل العراق دولة مصدرة للطاقة بدل وجود عجز في توليد الطاقة
ثالثا: أن فقدان الطاقة في محطات الطاقة الكهربائية بسبب التلوث تحويل محطة الدورة إلى محطة لا تلوث الهواء سيزيد طاقة التوليد بنسبة30%دون أي توسعات بتكنولوجيا جديدة.
منزل المعاقين والعجزة
* من بين ابحاثك انك تدعو الى ايجاد منزل خاص للعجزة والمعوقين هل من توضيح؟
- تعتبر منازل المعوقين والعجزة وكبار السن من المنازل التي تتطلب تكنولوجيا متطورة وتوفير سبل الراحة والجو الصحي حيث يجب أن يكون التكييف جيداً صيفا وشتاء اكثر من المنازل التقليدية حيث هنالك شروط يجب توفرها وهي :
اولا: أن لا يتطلب مجهوداً عضلياً كنقل قطع الأثاث أو أموراً عضلية أخرى وان تصمم الغرف لتبقى صيفا وشتاء.
ثانيا: يجب أن لا يتطلب مجهوداً كبيراً في نقل الطاقة كقناني الغاز أو النفط الأبيض أو نقل المدفآت النفطية أو الغازية.
ثالثا: يجب أن يكون المنزل طابقاً واحداً لمحدودي الحركة وبمستوى واحد(في حالة وجود كرسي معوق)ليتسنى التنقل بحرية وكذلك موقع الغرف لا يتطلب مجهوداً كبيراً في التنقل
رابعا: يجب أن يراعى في المرافق الصحية أن تكون خالية من التعقيدات وان تكون سهلة في التشغيل خاصة الحنفيات.
خامسا: يجب أن لا يكون المنزل مكلفاً يتجاوز إمكانية المواطن العراقي ويفضل الذين يمتلكون قدرات فنية لإدامة المنزل.
التصاميم الأساسية
* الذي يتصفح ابحاثك في هذا الجانب يتلمس اعتمادك على الطراز المعماري البغدادي،ما سبب هذا الاختيار؟
- تم إجراء سلسلة من الدراسات المعمارية حول افضل السبل لتصميم منزل الطاقة والبيئة وللمعوقين والطاقة الشمسية في بناء وحدة سكنية واحدة وقد كانت المفاجأة إن التصميم يشبه المنازل البغدادية القديمة حيث توصل العراقيون إلى تصميم منازل كفئة مريحة ذات جو لطيف لا يتوفر في المباني الحديثة المكلفة والتي تتطلب كميات كبيرة جدا من الطاقة للتكييف مقارنة مع الطاقة التي تتطلبها المنازل القديمة وكذلك فان المنازل البغدادية واطئة الكلفة وسبب هجر البناء القديم هو عدم قيام النظام المباد بتطوير وتطويع مواد البناء الحديثة مع أساليب البناء القديمة إذ ان في البناء القديم لا يتم استخدام مواد بناء جديدة فقط الجص والطابوق دون استخدام مواد البناء الحديثة (الألمنيوم والمواد المصنعة والأسمنت الأبيض) وقد طورنا أساليب بناء جديدة أن العودة إلى التصاميم التراثية بعد تطوير مواد بناء خاصة بها سيساهم بشكل جذري بحل مشكلة الطاقة وخاصة في المحافظات والأرياف اضافة لملاءمتها للمجتمع.
أهم الأعمال الاستثمارية
و يضيف الباحث خالد وليد خليل: ان هنالك محاور استثمارية رئيسية تصلح كمشاريع مستقلة متكاملة ولا تشترط أن تكون جزءاً من المنزل وهي:
اولا:محور الطاقة الشمسية ويشمل وحدات التوليد بجميع أنواعها الواطئة الكلفة وهي تستخدم كوحدات بناء.
ثانيا: محور الصرف الصحي ويشمل إنشاء وحدة المعالجة الذاتية مع تصاميم جديدة للمرافق والمطبخ لا تلوث البيئة.
ثالثا: محور المطبخ ويشمل تصميم جميع أجهـزة المطبـخ ويجب أن تستهلك50%كحد أقصى من الحالية ورخيصة الثمن
رابعا:استهلاك الطاقة الواطئة للأجهزة المنزلية والذي يمكن تطبيقه على أي نوع من المنازل ولجميع أنواع الطاقة.
خامسا: محور الحاسوب والإلكترونيات وقد يدمج مع الأقسام الباقية وذلك بسبب ظهور كومبيوتر بانتيوم الذي لم يكن معروفاً قبل خمس عشرة سنة حيث أن الكومبيوتر سيستعيض عن الكثير من الأجهزة الضرورية المكلفة جدا.
سادسا: تطوير أساليب ومواد بناء لتصاميم للدور التراثية.
وقد وضعت هذا التصميم عام 1989 وهو يستند على الدور البغدادية القديمة كما اسلفت ويتكون من طابق واحد وبمساحة 140 متراً مربعاً ويعمل بالطاقة الشمسية وهو عبارة عن منزل بناء بالطابوق الجفقيم يتوسطه حوش(هول)مغطى بقبة زجاجية والغرف حوله غرفتان للنوم مع مرافق في الخلف مفصولة بقاطع وفي المقدمة المطبخ والمرافق والمدخل والاستقبال وفي الوسط غرفة دراسة والطعام، المنظومة الشمسية ستكون جزءاً من السقف وبعض النوافذ وبالتالي سيقلل الكلفة الكلية إلى النصف وستكون كلفة الطاقة الشمسـية لا تذكر مقارنة بكلف الطاقة التقليدية.